التخطي إلى المحتوى

كتبت : سالى عبده

تتكرّر ذكرى المولد النبويّ في كُلِّ عامٍ في اليوم الثاني عشر من شهرِ ربيعٍ الأول، وقد كان مولده -عليه الصلاة والسلام- في يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيعٍ الأول من عام الفيل، في شِعب بني هاشم في مكّة المُكرمة، لقول النبي -عليه الصلاة والسلام- لمّا سُئِل عن سبب صيامه ليوم الإثنين: (فيه وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ)،
وقد استبشر جدّ النبيّ بمولده، وأدخله الكعبة، وشكر الله -تعالى- ودعاه، وسمّاه مُحمداً، مع أن هذا الاسم لم يكن معروفاً عند العرب،  وقد حدثت بعض االمقدّمات العظيمة التي دلّت على قُرب مولده -صلى الله عليه وسلم، منها: خُروج نور من فرج أُمّه أضاء له قُصور الشام،و انطفاء النار التي يعبدها المجوس
وُلد سيد الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين وأضاء بحسنه مكة المكرمة التي ولد فيها فكان بشرى لأمه آمنة بنت وهب، وخير خلف لأبيه الهاشمي المتوفى عبد الله بن عبد المطلب ومصدر فخر وسرور لجدّه عبد المطّلب الذي تبنّاه بعد وفاة أمه، ثم ولّى أمره لعمه أبي طالب من بعده، فعاش الرسول الكريم أربعين سنة قبل البعثة، وثلاث عشرة سنة بعدها في مكّة المكرّمة، فيما قضى العشرة الباقية من عمره في المدينة المنوّرة.
توفيت أم النبي الكريم وهو مازال في السادسة من عمره وتكفل برعايته جده عبد المطلب وكان دائم الترديد بأن حفيده سوف يكون له شأن عظيم حتى لاقته المنية وكان لا يزال سيدنا محمد في عمر الثامنة وأسندت رعايته لعمه أبو طالب والذي راعاه وأهتم لأمره كثيرا
وكان صلوات الله وتسليمه عليه يشتهر بالعديد من الخصال المحمودة حتى أنه لقب بالصادق الأمين قبل هبوط الوحي عليه بالرغم من نشأته في أجواء يعمها الجهل والرذيلة والوثنية إلا أنه لم يتأثر بتلك البيئة المحيطة به بل كان منذ نعومة أظافره كريم الأخلاق وكان يرفض الخمر ولا يأكل الذبائح المخصصة للأصنام ولا يقوم بالطقوس التعبدية لها ولا يذهب لمجالس العزف والحفلات التي يقيمها أشراف وسادة قريش آنذاك كما أشتهر بنصرة الضعفاء والوفاء بالعهد وإكرام الضيف وخلافه من الشمائل الطيبة.
ويكونُ الاحتفال بمولده -صلى الله عليه وسلم- بِعرض سيرته، والتّعرّف على صفاته، واتّباعِ أخلاقه، والكشف عن أسرار حياته، وبيان أثرها في صلاح الناس والمجتمع، بالإضافة إلى أنها فُرصةٌ لتجديد الصّلة بين المسلم ونبيّه.
وفي هذا اليوم العظيم يُستحسن الذكر، والإكثار من الصلاة على الشفيع لنيل شفاعته يوم الدين، كما يجب أن تُستغل هذه الذكرى بكل ما هو مفيد من عمل الخير على اختلافه فتقدّم الصدقات وتُستذكر الأحاديث النبوية الشريفة والسنن، ويُجمع الأطفال على فيضٍ من المواقف النبويّة السمحة ليتعرفوا على نبيِّهم وهادي أمتهم أكثر، ويتلمَّسون حلاوة أخلاقه بقلوبهم، ويتمثلون بطباعه الزكيّة في معاملاتهم؛ فلا ينقطعون عنه وعن سِيره، ولا يُغيَّبون عن محاسنه ومناقبه.
ويحرص المُسلم على شُكر الله -تعالى- على نعمة مولد نبيّه الكريم؛ بالطاعة والاتّباع على مدار السنة، وليس في يومٍ واحدٍ مخصّصٍ، فمحبّة النبي -عليه الصلاة والسلام- تكون بطاعته واتّباعه، لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي)،
ويكونُ الاحتِفالُ مُحرّماً وممنوعاً بإجماع العُلماء إذا وُجِد معه شيئاً من الحرام والمُنكرات؛ كالاختلاط المحرّم بين النساء والرجال .
توفي رسول الله محمد في شهر ربيع الأول من العام الحادي عشر للهجرة وترك فينا شوقاً متجدداً للقائه لا يخبو، فلنسعى ليكون دافعاً لنا لعمل الخير، واستحضار الرقابة الإلهية والنبويّة لنا كما قال الله في عزيز كتابه (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، ولنعتصم بحبل الله وسنة رسوله لئلا نضل أبداً، ولنلحق بمراكب الغانمين بشفاعته وحلاوة جواره يوم الدين.