التخطي إلى المحتوى

كتبت : سالى عبده

يخنقنا الغبار ويحجب أفق الرؤية؛ فترتفع وتيرة الانفعال ويصبح الغضب هو السمة العامة لكل من يواجه عواصفه التي لا يفلح معها إغلاق الأبواب، أو ترطيب الأنوف .. وتلقي هذه العواصف بآلاف الأطنان من الغبار على المناطق التي تمر بها، ولا شك أنّ قلة الأمطار والجفاف المتكرر – نتيجة التغيّر المناخي – من مسببات العواصف الرملية والترابية.

ومن المؤكد أن للغبار أضراراً كثيرة على جميع الكائنات وخاصة الإنسان الذي يتأثر صحياً ونفسياً بسبب الغبار وتتعطل كثيراً من مصالحه وأعماله، وهذا ما يجعله يشعر بالضيق والضجر في الأيام التي تنشط فيها الرياح المحملة بالأتربة، كذلك فإن المستشفيات تتكدس بالأشخاص الذين تأثروا سلباً بالغبار وخاصة الذين يعانون من أمراض الحساسية والربو وأمراض الصدر وغيرها.

فالتأثير في صحة الإنسان يكون على الجهاز التنفسي الذي يعد خط الدفاع الأول له، حيث يعدّ الأنف المدخل الرئيس لهذا النوع من التلوث، وما يسببه ك “العطاس” المصحوب بإنسداد في الأنف، إلى جانب الكحة وإلتهاب العين والحلق والشعور بالحكة في الجلد، كما يؤثر الغبار في مجال الرؤية وحوادث السير، و كذلك فى التأثير في المسطحات الخضراء والنباتات والأشجار يكون من خلال تغطية سطح الأوراق، وبالتالي إضعاف عملية التمثيل الضوئي .

لكن نعود ونكرر على أن للغبار فوائد كثيرة متنوعة على البيئة والإنسان
سنبدأ في الحديث مباشرة عن فوائد الغبار المتعددة التي قد لا يعلمها الكثيرون .
فقد ذكر ابن خلدون في مقدمته قوله: «إن الارض بعد تقلب الفصول من فصل الى فصل أي من الشتاء الى الصيف تبدأ بلفظ امراض وحشرات لو تركت لأهلكت العالم فيرسل الله الغبار فتقوم هذه الاتربة والغبار بقتلها وتتراوح حجم حبة الرمل بحسب الحشرة فبعضها صغير يدخل عيونها وبعضها يدخل انوفها وبعضها في جوفها وبعضها في اذانها فتميتها، وايضا تلفظ الارض الامراض بعد الرطوبة خلال فصل الشتاء فلا يقتلها ويبيدها الا الغبار»،

التأثيرات الإيجابية للغبار تبدأ من قوله تعالى في كتابه العزيز: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ)

وقد أوضح علماء النبات أنّ التلقيح عملية أساسية للإخصاب وتكوين البذور، حيث تنتقل حبيبات اللقاح من العناصر الذكرية للزهرة إلى العناصر الأنثوية فيها حيث يتم الإخصاب، ويضاف إلى ذلك أنّ الغبار المنتقل إلى أسطح البحار والمحيطات يعتبر مصدر الإمداد الأساسي للعناصر المهمة في المحيطات كالحديد والفسفور والسيلكون والمنغنيز والنحاس والزنك، وتلك العناصر تلعب دورًا مهماً في تغذية وتكاثر الكائنات الدقيقة النباتية البحرية، وزيادة ونمو هذه الكائنات يؤدي إلى تقليل مستوى التركيز الجوي لغاز ثاني أكسيد الكربون – أحد أهم غازات الاحتباس الحراري –
كما أنّ الزيادة في نشاط الغبار تتسبب في هطول الأمطار؛ ما يساعد على تجميع حبيبات الأتربة الطينية الدقيقة من المناطق المرتفعة نسبيًا، وترسيبها في المناطق المنخفضة كقيعان تجمع مياه الأمطار وأودية جريانها، وهذه المسطحات المائية ما تلبث أن تتبخر وتجف مخلفة وراءها طبقة سطحية غنية بحبيبات طينية دقيقة تزيد من خصوبة التربة”.

وهذه الرياح والغبار تفيد أجواء المدن الصناعية بأنه يزيل عنها أطنان العوادم والغازات السامة من أجوائها فهو يجدد الهواء بقدرة الله تعالى.

ويقول المتخصصون ان هذا الغبار إذا أعقبه المطر فإنه يصير أي – الغبار مثل السماد للأرض فيفيد الشجر والنبات عموماً.

إن الرياح الترابية والعواصف والأعاصير آيات من آيات الله تعالى يخوف الله بهما عباده، فالمسلم دائم الخوف من ربه لا يأمن من مكر الله ولا يقنط من رحمته .