التخطي إلى المحتوى

توقفت عن التحدث في السياسة وأمور الدولة منذ فترة لأسباب من الممكن أن نُطلق عليها “شخصية أو دواعي أمنية” ولكن الذكريات ما زالت تدق الأبواب ولم يستوقفني ما تم من تفريط أو اختلاس أو كل هذا؛ وكل ما دار في ذهني اليوم هي عبارة واحدة “ذكرى ثورة يناير”، لم اختلف علي أن هذا اليوم أيضاً هو عيداً للشرطة المصرية ولابد أن نحتفل به لأن هناك من ضحوا بأنفسهم في سبيل الوطن وتناثرت دمائهم من أجلنا؛ فتحية شكر وتقدير لهم ولنا أن نُعزي أنفسنا دائماً ونذكرهم في دعائنا.

بداية ومنذ ستة أعوام كان الجميع يظن أن صيحات واستغاثات الشباب وإصرارهم علي الحشد الميداني، صباح يوم الثلاثاء 25 يناير 2011 “لعب عيال” ومع حرارة الشمس القاسية سيعودون سريعاً إلي جحورهم ممسكين بهواتفهم الذكية يتصفحون “فيس بوك وتويتر”  ويدشنون “هاشتاج ” سلاحهم التافه؛  فهم أبطال علي النت .. بط بلدي في الميدان “علي حد تفكيرهم العقيم”، ولكن انقلب الأقصى علي الأدنى وحدث ما توقعه الشباب وما لم تتوقعه أجهزة الدولة وأعضاء حزب “الكنبة”.

ولكن الآن، دعني استعيد شريط الذكريات باحثاً عن التغيير الذي حدث وعارضاً أهم قضايا ما بعد 25 يناير العظيمة التي جاء في وصفها أنها ثورة ضد الفقر والجوع والبطالة وغلاء الأسعار وقسوة الشرطة وكثرة الانتهاكات -عن المعتاد- وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والأهم من ذلك، الفساد الذي استشري وتوغل داخل مؤسسات الدولة ونظام الاستبداد ومخطط التوريث “آل مبارك”  وانتخابات 2010 التي احتل الحزب الوطني المنحل علي جميع مقاعدها بنسبة 97% أي -أن المجلس أصبح بدون معارضة-؛ مثل وقتنا هذا يا صديقي، فأدي كل هذا إلي “يوم الغضب”.

لم أتحدث عن أحداث الثورة فقد تحتاج إلي مجلد، وأنا معترف بأن هذا اليوم هو عيداً للشرطة المصرية “تأمين قفايا” ولأن هناك بالفعل من ضحوا بأنفسهم في سبيل الوطن، ولن أتحدث أيضاً عن “نشطاء الثورة”  فحديثي لن يجدي نفعاً، فمنهم من هو خارج البلاد ينعم بحياة بعيده كل البعد عن تردي أحوالنا، ومنهم من هو قابع في السجن ينعم بغرفة مظلمة، ولكني سأتحدث عن “رموز النظام” أين هم الآن … وهل الثورة رسخت مبدأ المساواة.

بعد طله “عمر سليمان والراجل اللي وراه” المميزة علي شاشات التلفزيون، مساء يوم الجمعة 11 فبراير 2011 قائلاً : قرر محمد حسني مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية -لم نكمل الخطاب- وبدأ التهليل والتصفيق الحاد وخرجنا إلي الشوارع والميادين وارتفعت أصوات الأغاني الوطنية -أصله معداش علي مصر…يا حبيبتي يا مصر-، اذكر أن جار لي، خرج بسلاح ناري يُصدر العديد من الأعيرة النارية وصل عددها إلي 60 طلقة أو أكثر في دقائق معدودة؛ أتذكر أيضاً أن أهالي مدينتي “الباجور” خرجوا يتجولون في كل الشوارع ووقفوا في “الميدان” يهتفون، وبعد التفكير للحظات معدودة أحسوا أن محاسبة النظام “معجزة”، فبدأ التوتر، ولكن الأيام أثبتت عكس هذا وأن الدولة قادرة وتستطيع.

حسني مبارك “كارت اتحرق”

لم يخطر علي باله يوماً أنه سيحاكم، ولكن بتولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد، كثرت الدعوات الشعبية لمحاكمته عن الجرائم التي ارتُكبت خلال أيام الثورة، واستمر هذا الضغط الشعبي إلي أن أعلن في 11 إبريل 2011 عن بدء النيابة العامة التحقيق معه، فاتُهم بانتهاك حقوق الإنسان وقتل المتظاهرين، حُكم عليه بالسجن المؤبد في 2  يونيو 2012، تم الطعن في الحكم و إعادة المحاكمة، و في يوم 29 نوفمبر 2014  تم الحكم على مبارك بالبراءة، ناهيك عن قضايا إهدار المال العام والتربح من طرق غير مشروعة، وأما عن هذا الوقت فالجميع يردد ولا يوم من أيامك يا مبارك.

حبيب العادلي وزير الداخلية و “الفتيل” الذي أشعل نيران ثورة يناير

ارتبط اسمه بالانتهاكات، كان نصيبه 6  قضايا، الأولي قتل المتظاهرين بالاشتراك مع مبارك -لا تقلق- مؤبد ثم براءة، والثانية قضية “تسخير المجندين”  لإنهاء أعمال البناء وخلافه لمنازله، قضت المحكمة عليه بالسجن المشدد لمدة ثلاث  سنوات وتغريمه مبلغ 2  مليون جنيه وأكثر قيمة أجور المجندين والمعدات، أما الثالثة والتي عُرفت إعلامياً بـ “اللوحات المعدنية” بالاشتراك مع أحمد نظيف، رئيس الوزراء الأسبق، هي أيضاً براءة، إضافة إلي قضايا التربح وغسيل الأموال والإضرار بالمال العام.

الابن الأصغر وعلاء مبارك

صعد “الابن الأصغر”  سلم السياسة وتوغل فيه بسرعة البرق، وأصبح اسمه متداولاً أكثر من أبيه في الفترة الأخيرة، وتمني بل باتت نيته عازماً علي الترشح للانتخابات الرئاسية، ولكنه سقط سقوط مدوي وأنهت الثورة هذا “المخطط” … “الابن الأكبر”  لم يسعي لـ ارتداء عباءة الرجل السياسي ولكنه اشترك في القضايا التي نُسبت إلي والده وشقيقه، استغلال نفوذ والدهما وتصدير الغاز لإسرائيل مقابل مبالغ زهيدة وفيلات من رجل الأعمال الشهير حسين سالم -لا تقلق- براءة، قضية “القصور الرئاسية”  وكان نصيبهما 3 أعوام سجن، إلا أنهما كانا قد قضيا العقوبة، فتم إخلاء سبيلهما، وبقي لهما “التلاعب بالبورصة” وانتهت بالبراءة، وهم الآن ومبارك يبحثون عن العفو الشامل.

وأخيراً لقد عانت مصر خلال هذه الفترة الانتقالية أشد المعاناة، ودفن شعار “عيش..حرية..عدالة اجتماعية” خلف الأسوار ودابت عظامه ولم يبقي له أثر، وكثر المنافقين والكاذبين والطبالين وأصبح الانبطاح “شعار المرحلة” والتف الجميع حول السلطة وتركوا الوطن تتناثر دمائه في كل بقعة من أرضه، ودخلت مصر مرحلة الخطر، واليوم ما زلنا في نفس الخطر نبحث عن التغيير ونعاني من الغلاء واستغلال النفوذ وكثرة الرشوة وتكميم الأفواه؛ ولكن “ما باليد حيلة” ولنا أن نقول في ذكري 25 يناير العظيمة للسادة المعرضين “دمتم منافقين .. دمتم مانعين”.