التخطي إلى المحتوى
 
في المقال الأول عرضنا كيف أن مرضاً انتشر بيننا، وهو استغلال الدين والشرائع في امتطاء ظهور العوام وتعبيدهم لفتاوى ومجترئين على الدين، فقط لأغراضٍ نفسية. وهذا المقال نوضح فيه بعض حالات التجرؤ على الدين.
ولقد وجدنا في عهدنا الحالي، من يحل سفك الدم باسم الدين، ومن يجيز هدم بيوت الله باسم الشريعة، ومن يصبغ عقوق الوالدين باسم التقرب الى الله، ومن يفتي بتفتيت البيوت ومفارقة الأهل، لا لشيءِ سوى أنهم لا يتبعون طريقتهم، حتى وصل الحال بالزوجة تطلب الطلاق، لأن زوجها ليس على منهج جماعتها، ومن يشرد أبناءه وزوجته، لأنها تؤيد من يكفره شيخه، فقط لأن مصالحهم تتعارض مع ما يفعل.
لقد سمعنا من ينادون بقتل رجال الجيش ورجال الشرطة، مما دعا بعض قليلي الفهم وضيقي الأفق من الشباب المندفع، بأن يقوموا بتنفيذ عمليات اغتيالات لرجال القوات المسلحة ورجال الشرطة، ثم يشمتون فيمن قتلوه، ويحكمون عليه بأنه في النار. وإن هذا الشيخ أو ذاك يستمتع بتبعية هؤلاء لفتاويه دون تعقل، وينتشي بهمجيتهم في تطبيق ما يقول دون روية.
ويفتي آخرون بحلِّ هدم الأديرة وتفجير الكنائس، فنرى المندفعين بأحزمةٍ ناسفة، يتسللون تقرباَ إلى الله، فيحولون عبادة المصريين إلى مآتم، ويخلقون من أجسامٍ الأطفال أشلاءً وقطعاً متناثرة، لينالوا الشهادة التي وعدهم بها شيوخهم القابعين في أفخم القصور وأرقى الفنادق، دون أن يفكروا ولو للحظةٍ فيما جاء على لسان حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما جاء بكتاب ربنا جلَّ وعلا.
لقد نسخوا آيات الله وتعاليمه، وكأن قوله الله تعالى [يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرًا] ينطبق عليهم أعاذنا الله وإياكم. وتناسوا أو أخفوا قول الله تعالى: [لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ] فلماذا إذاً يعشقون تفتيت لحمة الوطن؟ ولماذا يوعزون للشباب بالكراهية؟ ولماذا يدعون لتقطيع أواصر المحبة والإخاء بين بني الوطن الواحد؟
ألم يأتي نبي الإنسانية صلى الله عليه وسلم برسالة الحب والألفة؟ ألم يلقب بالرحمة المهداة؟ ألم يضع أسساً في التعامل مع العدو، حتى وقت الحرب أو فتح الأمصار؟ ألم يقل: [أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيراً، اغزوا باسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً فانياً ولا منعزلاً بصومعة ولا تقربوا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناءً]؟ ألم يؤكد الصديق رضي الله عنه على ذات المبادئ حين قال: [يا أيها الناس، قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عنى: لا تخونوا ولا تغلوا، ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمآكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع؛ فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له، وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام، فإن أكلتم منها شيئاً بعد شئ فاذكروا اسم الله عليها. وتلقون أقواماً قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب، فاخفقوهم بالسيف خفقاً]؟
إن ما يحدث من راكبي الشرائع أياً كان دينهم، وممتطو الدين ومطوعيه، ليس من الدين في شيء، وإنما الهدف منه هو امتلاك الناس، وكأن دين الله قد أُغلقت أبواب التعبد به إلا بابهم، وكأنهم نصَّبوا أنفسهم وكلاء الله في الأرض، برغم تنحيتهم آياته وتعطيلهم أحكامه لأغراضٍ دنيوية. وإنني أدعو الشباب الواعد أن يتفكروا ويعملوا عقولهم، ويعرضوا فتاوى هؤلاء على كتاب الله وعلى صحيح السنة النبوية الداعيان لكل جميل وكل حسن وكل رحابة صدر.
إن فقدان بوصلة الطريق إلى الله، والانسياق وراء هؤلاء، ينبئ بخطرٍ شديد على أمتنا من أقصاها إلى أقصاها. وأول خطر هو فقدان احترام الأمم لديننا، وتصنيفه على أنه هو الدين الدموي الداعي للقتل وسفك الدماء. وكأن الإسلام جاء فقط لاستعباد الناس ولو بتفجيرهم، ولتكفيرهم وعدم الأخذ بمشقة الدعوة إليه وتوضيح درره الخالدة. الدعوة التي وصلتنا بعد عناء من حملوها، ونحن – أو قل ذوي الأغراض منا – نفرط في دين الله، ونوصمه بأشد الأوصاف جراء ما يقوم به هؤلاء المندفعين وراء نيل الجنة والحور العين.
نسأل الله أن يعيدنا وهؤلاء الشباب لطريق الصواب، إنه ولي ذلك والقادر عليه.