التخطي إلى المحتوى

تحقيق / عزة زكريا – ياسمين النجار – رحاب صابر

يُطلق عليه الغرب زواج الأطفال، ويطلق عليه العرب زواج القاصرات، ألا إن الموضوع تطوّر في مصر ليدخل في نطاق أوسع وأشمل وأكثر إجرامًا، زواج القاصرات في مصر قد دخل في نطاق شبكات منظمة وموسّعة للإتجار بالبشر، بعد أن كان يقتصر منذ الثمانينات على مشروعات فردية للوساطة بين الفتاة أو أهلها وبين المُشتري العربي الثريّ، أصبح نطاق العمل الحر في تلك الشبكات أكتر شمولًا وحرية منذ ثورة 25 يناير التي شهدتها مصر في عام 2011، لتشتهر قرى بعينها في مصر بإباحة زواج القاصرات.

ومن هنا قامت “شخبطة” بإختراق عالم تجار العروض، حيث بدأت رحلتها بمدينة “الحوامدية ” محافظة الجيزة والتي يغلب عليها الطابع الريفي وكان لمدينة الحوامدية النصيب الأكبر من حيث تعداد الفتيات اللاتي تزوجن بنظام الزواج السياحي من سن “14 – 16″ لأكبر منهم من سن” 50 – 60 “، حيث يتم الزواج لمدة أسبوع أو إثنين ويتم اختيار الفتاة لجمالها ويتزوجن من أثرياء العرب مقابل مبالغ مالية وفي الحوامدية ينتشر زواج المتعة الحرام .

” نورا خالد” ، وكانت أول ضحية لزواج القاصرات بالحوامدية وقالت: زوجنى أبى وعمرى 16 عاماً من سعودى يكبرنى بـ 35 عاماً رفضت بشدة، ألا أنه كان يضربنى لأوافق على الزواج منه وأصبت بحالة نفسية سيئة فلم يكن أمامي إلا القبول بالأمر الواقع، ومرت الأيام التى لا أعرف عددها وطلقني، وعدت إلي بيت ابي ولكنه زوجني مرة ثانية من سعودي يكبرني ب 30 عاما فرفضت ألا إن أبي كان يزوجني ولكن بعد «علقة سخنة»، حتي طلقني أيضا بعد عدة أيام، وها أنا الآن بمنزل أبي .

وتابعت”شخبطة” فى استكمال رحلتها في البحث عن هؤلاء التجار، وإلى قرية سنهوت بمحافظة الشرقية التابعة لمركز منيا القمح ومتفرع منها عزبة ” الــنو ” بجوار ” ترب أبو ربيع ” والتي اشتهرت في مصر بمباركة الأهل لزواج ابنتهم القاصرة من ثريّ عربي يشتريها بالمال، من الممكن أن يسميها البعض سوق النخاسة المصري، أو سوق بيع “اللحم الرخيص”، حيث يقوموا الأهل بتزويج البنات في المرحلة الإعدادية، لأكبر منهم في سن ال 60 عاما ويكون الزواج لعدة أسابيع أو أيام، فإذا حملت الفتاة طلقها الثري ويقوم والد الفتاة بنسب الطفل إليه، ووصل عدد الفتيات اللاتي تزوجن بهذا النظام إلي أكثر من 500 فتاة من بينهم ما كانت نهايتها الوفاة ليلة الزفاف أو ثاني ليلة .

“زواج القاصرات يتم عن طريق سماسرة ”

يقوم سمسار يدعي ” محمود ط . ا . ب” وابنه ” زكريا م . ط . ا . ب ” الشاهرين بالقريه ب ” تجار العروض ” بالتواصل بين أهل البنت والثرى العربى، ووصل بهم الأمر أن يزوج شقيقتان لرجل واحد في ليلة واحدة، حيث يمكن للسمسار أن يأخذ الفتاة من القرية وهي بعمر الـ 12 عامًا ليوصلها للزائر الثري في القاهرة بغرض زواج المتعة، والذي يكون أحيانًا لليلة واحدة وأحيانًا يمتد إلى أسبوع على حسب رغبة الزائر، ويمكن أن يحصل السمسار على مبلغ 100 دولار لتلك العملية، تُقسّم بينه وبين أهل الفتاة، حيث يتقاضى الوسيط أحيانًا ثلثي ذلك المبلغ، أما عن المواسم الصيفية فيرتفع أسعارها لتصل إلى 2500 دولار كسعر مبدأي وإلى 9000 دولار كسعر نهائي إذا أراد الزائر أن يتزوجها ويعود بها إلى بلده.
أما عن قرية النجاح التابعة لمحافظة البحيرة والتي تُعد بمثابة ثالث محطة في رحلة شخبطة، “العريس غنى مش مهم السن” و«هو هيعملك اللى انتى عايزاه وكمان هيدفع فلوس كتير نصرف بيها على إخواتك» بهذه الكلمات يبيع الأب والأم ابنتهما القاصر التي لا تعرف معنى للزواج بقرية النجاح التابعة لمركز بدر بمحافظة البحيرة، التي انتشر زواج القاصرات بشكل كبير في معظم مراكزها خاصة في القرى والأرياف وهذه الزيجات أشبه بتجارة الرقيق، حيث يبيع الأب ابنته لمن يدفع أكثر، كما أن الفتيات القاصرات اللاتي يتزوجن بصورة مؤقتة، يقعن ضحايا للاستغلال الجنسي والعمل القسري كخادمات لـ أزواجهن.

تقابلنا مع ” مي شوقي ” 19 سنة، إحدي ضحايا زواج القاصرات بالقرية فقالت : رغم صغر سنى فإننى تزوجت مرتين من رجال أكبر منى في السن بكثير، حيث أول مرة تزوجت وعمري 12 عام من رجل كان صديق والدى في نفس سنه أو يكبره قليلًا، رفضت في البداية ألا أن أبى أجبرنى على الزواج منه ولأن والدتى متوفية فلم أجد أحدًا بجوارى، ولا من يدافع عنى ويقول لأبى إننى مازلت طفلة، وللأسف قضى أبي على طفولة حياتي وأصبحت كارهة للرجال وقررت أن أعمل وأصرف على نفسي وأعيش لذاتي فقط.

وأضافت نجلاء فتحي،إحدى الفتيات بالقرية ، أن زواج القاصرات جريمة ضحيتها الفتاة، حيث يتم سلب كل ما تملك من أحلامها وطموحها وتباع وتشترى كأنها سلعة تدفن معها أنوثتها للأبد، حيث إنها ظاهرة تقوم بتدمير أجيال وليس جيلا واحدا، وتعجبت قائلة كيف لطفلة أن تعرف أساس الزواج الصحيح والتربية السليمة!، فلابد من محاربة هذه الظاهرة والقضاء عليها ومعاقبة والديها والزوج الذي يقبل أن يفعل ذلك لابد من وضع قانون للقضاء عليها.

ووصلت شخبطة في نهاية رحلتها إلي قرية” أجا” التابعة لمحافظة المنصورة وبها الزواج السياحي معلن وعادة متوارثه فى الريف، فقد قال ” حجازي أبو الحج ” أحد أهالي القرية أن تزويج الفتيات فى سن ال16 سنة أو أقل مع الاتفاق مع المأذون على مقابل مادى للاحتفاظ بقسيمة زواج مؤقتة لحين وصول الفتاة للسن القانونى يلى ذلك تسجيلها بالكشوف الرسمية وكله بالفلوس على حد قوله، كما أشار” أبو الحج”، “العوزة والفقر يضطر أى ولى أمر إلى تزويج نجلته ليرتاح من مصاريفها ومتطلباتها اليومية”، ملقيا اللوم على الدولة لعدم سنها قوانين صارمة تقف سدا بين كل التصرفات المشينة من قبل بعض الأهالى والمأذون الشرعى.

وتقابلنا مع ” عرفة السيد ” عامل ووالد إحدى الفتيات، وسرد قصة ابنته قائلا : أنه قام بتزويج ابنتة قبل بلوغها السن القانونى ولجأ إلى تحرير عددا من الشيكات على الزوج حتى يضمن حقها فى القائمة واثبات شرعية زواجها فى حالة طلاق ابنتة.
وتابع” السيد”، أن بعد أن زوج ابنتة بعدة شهور اكتشف خيانة زوجها لها بالإضافة إلى تصرفاته المشينة، ولم نستطع اثبات زواجها لأنه لا يوجد أى وثيقة رسمية بذلك الأمر الذى اضطره إلى تحرير محاضر بالشيكات مع بعض المحاولات من الأهالى وذوى الثقة محاولين انهاء الأمر بطريقة ودية .

واستطاعت ” شخبطة ” رصد عدد من الآراء المرتبطة بزواج القاصرات فيما قال الشيخ كامل الحضري المأذون الشرعي بمدينة المنصورة أن حالات الزواج السياحي متعددة ومنتشرة في الريف المصري وأغلب الزيجات تأتى في إطار زواج معلن فقط وليس رسميا لأنه يتم قبل وصول الفتاة إلى عامها الثامن عشر ويضطر ولى أمر الفتاة باتخاذ كافة الإجراءات لضمان حق نجلته من خلال إصدار عدد من إيصالات الأمانة أو قائمة بدون أي تفاصيل.

علق نقيب المأذونين إسلام عامر ل”شخبطة” ، على أزمة تزوير عقود الزواج والمتاجرة بأجساد الفتيات القاصرات بالقليوبية قائلا، ” لم يتم تضافر الجهود الأمنية والحقوقية ونقابة المأذونين، وستظل مشكلة زواج القاصرات وأطفال الشوارع التى تنتج عنه قائمة وسنضيع مستقبل بنات بعمر الزهور لا ذنب لهن إلا فقر أهلهن”.
وأشار إلى أن الكارثة تبدأ فى تستغلال أولئك السماسرة، لأسماء المأذونين وسرقة الدفاتر منهم وعقد الزواج فيها وتقاضى أموال، فى المقابل دون تسجيلها بالمحكمة وإثبات صحتها، وشدد على ضرورة تحرك الجهات الأمنية على الفور، عندما يلجأ لها المأذون ويبلغ عن تزوير بعض منتحلى الصفة لعقود الزواج وارتكاب مخالفات قانونية وممهورة بتوقيع الزوج.

ومن جانبه فإن لزواج القاصرات تأثيرات صحية متعددة ذات انعكاسات اجتماعية وسلبية على المستوى النفسي للفتاة قبل الزواج وبعده ما يجعله مهددا بالفشل، واتفق العديد من جمعيات حقوق المرأة وأساتذة علم النفس أن زواج القاصر آثار ومخاطر صحية ونفسية سلبية على الفتاة وأطفالها، وهو ما يجعل البنت عرضة للاضطرابات النفسية وتأخر الحمل أو الولادة المبكرة وزيادة معدلات الإجهاض وتعرضها لخطر الإصابة بهشاشة العظام.

فالجانب النفسي للفتاة يتأثر بالغ الأثر بهذا الزواج فما بين اضطرابات في علاقتها مع زوجها، وعدم قدرتها على التكيف، ومعاناة أطفالها لكونها غير مؤهلة للأمومة وتحمل مسئولياتها كربة منزل، الأمر نفسه قد يزداد ليصل لأمراض أعقد مثل الهستيريا والفصام، والاكتئاب.

وهذا ما أكده الدكتور ” يسري عبد المحسن ” أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة لـشخبطة أن الفتاة القاصر هي فتاة غير ناضجة على المستوى الفكري أو النفسي أو العاطفي، مما يجعلها في حالة ارتباك شديد بعد الزواج تجعلها غير قادرة على التواصل الوجداني والعاطفي والفكري مع شريك حياتها، ويوضح أن الزواج دون السن المناسب يجعلها غير كفء لتحمل مسئولية أعباء الحياة الزوجية، وخصوصا بعد إنجاب الأطفال فلن تكون على دراية أو الإدراك أو الثقافة للاهتمام بشئون ورعاية الطفل والزوج والأسرة ككل، ولا تقتصر التأثيرات السلبية لزواج الفتاة دون السن على الفتاة وحدها بل تصل للطفل والزوج وهو ما يهدد استمرارية الزيجة أو نجاحها واستقرارها، وكذلك يعاني الطفل من قصور نفسي بسبب عدم الوفاء بمتطلباته من الرعاية والحماية والتوعية.

وفقا لما أوضحه أستاذ الطب النفسي فمصطلح زواج القاصرات عموما لا معنى له ولا يصح إدانته أو مدحه إلا بتحديد مواصفاته فزواج الفتاة دون إعدادها هو ظلم وتشويه له ولحياتها بسبب جهلها وعدم قدرتها على تحمل الأعباء.
وفكرة تزويج الفتاة بحثا عن المال من رجال أكبر سنا أو كما يحدث في بعض المناطق، ولجوء الآباء لتزويج فتياتهم لخليجيين مقابل مال وفير، ليس زواجا من الأساس، وإنما عملية بيع وشراء لجسد فتاة، وتصبح بعد ذلك الزوجة جارية في بلد لا تعرفها مع شخص غريب، وهو ما يعد جريمة حقيقية يجب تقييدها بسبب انتهاكها لحقوق الفتاة.

وانتقل رصد شخبطة من الجانب النفسي إلي الجانب الطبي فتقابلت مع الدكتور ” أحمد نبيل عيسي” دكتور النساء والتوليد الذي أوضح أن هناك أضرار كثيرة تلحق بهذه البنت القاصر جسمانيا ونفسيا، فهي جسمانيا لم يكتمل تكوينها ولم يكتمل الحوض تشريحيا ومع حدوث العلاقة يمكن أن يحدث تمزق، أو حدوث نزيف من الممكن أن يؤدي إلي الوفاة، وإذا تم الحمل للفتاة فإنه يضر بها جدا ويأخذ الكالسيوم من جسمها وهو غير مكتمل في الأساس، وتكون هذه الفتاة معرضة أكثر لتسمم الحمل، رفع الضغط، زلال في البول، ورم في الجسم ، ومعدل القيصريات يزيد جدا،والولادة تكون متعسرة وممكن أن تؤدي إلي الوفاة .
كما أوضح أنه عرض عليه حالات كثيرة من هؤلاء البنات الذين تعرضوا لهذا النوع من الزواج وأن حالات الإجهاض بتكون عالية جدا، ونسبة الولادة المبكرة بتكون أعلي وبيكون فيها خطر كبير علي البنت نفسها.
وأضاف إن العلاج الذي يستطيع تقديمه كأطباء نساء في هذا النوع من الحالات وخصوصا أن الحمل يكون حرج جدا يحتاج لرعاية خاصة، كما نقوم بمتابعة حالة هذه البنت بمعدلات أكثر من الحمل العادي ، ونعطيها الكالسيوم والفيتامين التي يحتاجها جسمها .

واخيرا انتقلت” شخبطة” إلي الناحية الاجتماعية، فقد يري الدكتور ” ثروت الديب “، رئيس قسم الاجتماع بكلية الأداب جامعة المنصورة ، أن هذ الظواهر حدثت كثيرا في مجتماعتنا في بيئات مختلفة، فالسبب الرئيسي لهذه الظاهرة البحث عن المال في مقابل حياة بنتهم، وتابع أن هذه الظاهرة وغيرها ما هي إلا نتاج لبيئة منحدرة ثقافيا تنتشر بها الأمية، التي وصلت الي 40% خصوصا في القري والبيئات الريفية وضغط سماسرة المتعة، كما أطلقها علي الأسرة الفقيرة، التي تبحث عن المال ورفاهية في مقابل بيع ابنتهم وكانها عروس النيل لدي الفراعنة ليضحوا بها من أجل مستقبل الأسرة، وساهمت هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر المشابهة أن تكون سببا رئيسيا في دفن الطبقة الوسطي واختفاءها في مصر فكثير من الأسر الفقيرة تحولت في يوم إلي أسرة تمتلك البيوت والعمارات والسيارات بفضل ابنتهم فائقة الجمال .

ومن هنا وعلي الرغم من كثرة القوانين فى المجتمع ضد العديد من القضايا، ألا أنه ينقصها التنفيذ كما أن القضايا من هذا النوع كثيرة جداً ولكن للأسف لا يتم البت والحكم فيها وكل ذلك بسبب عدم الوعى بتلك القضايا المهمة، كما أنه لابد من رفع وعى الأسرة التى تبيع بناتها من أجل حفنة من الأموال ولابد أن يعلموا أن ما يحدث، إنما هو عنف ضد الأبناء ومازال السؤال قائما متي يستيقظ الضمير لانقاذ هؤلاء الفتيات وتمتد اليهم يد الرحمه لانتشالهم من يد مافيا تجار العروض ؟!.