التخطي إلى المحتوى

كتبت: نجلاء خالد

تضم محافظة المنوفية، عدد كبير من أئمة وشيوخ وقارئي القرآن الكريم بجمهورية مصر العربية إن لم يكن بالوطن العربي أكمل، فمنهم من استمع إليه البشوات، ومنهم من كان القارئ المفضل لدي الروؤساء، كما تتلمذ علي أيديهم كبار شيوخ الأزهر حاليًا، لتظل محافظة المنوفية هي منبع العلم والمعرفة، ومسقط رأس العلماء والشيوخ والروؤساء والرياضيين والفنانين.

ومن بين هؤلاء الشيوخ: الشيخ إبراهيم الباجوري الذي ولد بمركز الباجور محافظة المنوفية عام 1784 م _1198 هـ، تولى مشيخة الأزهر الشريف من عام 1847-1860م، نشأ فيها في حجر والده، وقرأ عليه القرآن الكريم وجوده، ثم قدم إلى الجامع الأزهر في عام 1212 هـ لأجل تحصيل الآداب والعلوم الشرعية، وعمره إذ ذاك أربع عشرة عامًا ومكث فيه حتى الاحتلال الفرنسي لمصر 1798 م _1213 هـ، فخرج وتوجه إلى الجيزة وأقام بها مدة وجيزة ثم عاد إليه عام 1801 م، فأخذ في الاشتغال بالتعليم والتحصيل، وتتلمذ علي يديه الشيخ عبد الله الشرقاوي، والشيخ داود القلعاوي، والشيخ محمد الفضالي، والشيخ حسن القويسني، وبلغ الباجوري من العلم مبلغًا حتى ارتقى لمنزلة شيخ الأزهر الشريف، وحرص على إعلاء كرامة علماء الأزهر في مواجهة السلطة، وكان عباس باشا الأول والي مصر في عصر الشيخ يحضر دروسه، ولم يعبأ باعتراض رجال الحكم على قيامه بتعيين هيئة من العلماء تحل محله في القيام بأعمال المشيخة حين أنهكه المرض، ومن مؤلفاته شرح بداية المريد، للشيخ السباعي، وشرح بردة الإمام البوصيري، وحاشية على شرح ابن قاسم لأبي شجاع في فقه مذهب الإمام الشافعي، وشرح جوهرة التوحيد، وحاشية على الفوائد الشنشورية في شرح المنظومة الرحبية، وحاشية على الرسالة، والسمرقندية، ثم نزل به مرض الحمى، ولازمه إلى أن استوفي عمره، وتوفى يوم الخميس 28 من ذي القعدة سنة 1276هـ ودفن بتربة المجاورين.

كما تضم محافظة المنوفية، الشيخ عبد المجيد سليم الذي ولد في 1 ذي الحجة 1299هـ/ 13 أكتوبر 1882م، في قرية ميت شهالة، وهي قرية التابعة لمركز الشهداء، حفظ القرآن وجوّده، ثم التحق بالأزهر، وكان متوقد الذكاء مشغوفاً بفنون العلم متطلعاً إلى استيعاب جميع المعارف، وكان يختار أعلام الأساتذة والمشايخ ليتتلمذ عليهم، فحضر دروس الشيخ الإمام محمد عبده، والشيخ حسن الطويل، والشيخ أحمد أبو خطوة وغيرهم من كبار الأئمة والمحدثين، ونال شهادة العالمية من الدرجة الأولى سنة 1908م، وشغل وظائف التدريس، والقضاء، والإفتاء، ومشيخة الجامع الأزهر، ومكث في الإفتاء قرابة عشرين عامًا، وله من الفتاوى ما يقرب من 15 ألف فتوى، وتولى مشيخة الأزهر مرتين، وأُقِيل في أولاهما؛ لأنَّه نقدَ الملك، ثم استقال من المنصب في المرة الثانية في 17 سبتمبر 1952م، وتوفي في صباح يوم الخميس (10 صفر 1374هـ/ 7 أكتوبر 1954م).

بالإضافة إلي الشيخ أحمد أبو حسن الذي ولد يوم الإثنين 23 أكتوبر 1922 ميلاديا، الموافق 3 ربيع الأول عام 1341 من الهجرة، بقرية مليج التابعة لمركز شبين الكوم، اشتهر بين أقرانه الصغار بقوة الحافظة، والذكاء، وكانت أولى خطوات التعلم المعهودة في ريف مصر وقتها في كتاب القرية، حيث أتم حفظ القرآن الكريم في كُتاب مسجد سيدي نعمة الله بمليج، وكان ذلك في سن العاشرة، حيث كان إتمام حفظ القرآن مسوغًا لالتحاقه بالأزهر الذي أتم فيه تعليمه الديني النظامي، ثم التحق بالمعهد الابتدائي الأزهري بشبين الكوم، وبعد أن أتم دراسته فيه التحق بالمعهد الثانوي الأزهري بطنطا، انتقل بعدها وعمره 21 عاما (عام 1943) إلى القاهرة، ليُتم جانبًا آخر من جوانب تعليمه الديني، حيث التحق بكلية الشريعة، التي حصل منها عام 1948 على الإجازة العلمية، وحصل منها على إجازة التدريس في عام 1950، ليبدأ رسالته التي سيكون بها واحدًا من أولئك الرجال الذين آلوا على أنفسهم أن ينشروا علوم القرآن، وضبط قراءاته، متميزًا في ذلك بالدأب والمثابرة للوصول إلى أوثق الطرق وأصحها في قراءة القرآن، و في يوم الجمعة الموافق الثاني والعشرون من صفر لعام 1429 هـ الموافق التاسع والعشرون من فبراير لعام 2008م توفاه الله ودفن بقرية مليج مركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية حيث مسقط رأسه.

كذلك ولد الشيخ شعبان عبد العزيز الصياد في 20 سبتمبر 1940- 18 يناير 1998، بقرية صراوة التابعة لمركز أشمون، وكان والده قارئا، حفظ القرآن الكريم في عمر السابعة ودرس في كلية أصول الدين التابعة لجامعة الأزهر ، ثم التحق بالإذاعة المصرية عام 1975م، وسافر لإحياء ليالي شهر رمضان في العديد من الدول، وعين قارئاً ل مسجد الشعراني في محافظة القاهرة، وظل الشيخ شعبان الصياد فى عطائه المستمر فى تلاوة القرآن الكريم فى كافة أنحاء المعمورة الى أن فاجأه المرض عام 1994م، فأصيب بمرض الفشل الكلوى، فاستمر فى تلاواته ولكن فى أضيق الحدود حتى أقعده المرض تماماً، وقد أحسن المولى عز وجل ختامه ولبى نداء ربه وفاضت روحه الطاهرة إلى بارئها فى صباح فجر يوم من أعظم الأيام فى الإسلام 19/1/1998م، الموافق الأول من شهر شوال بعيد الفطر عام 1419 هجرية، وكانت جنازته فى مسقط رأسه بقرية صراوة مركز آشمون محافظة المنوفية حيث دفن فى مدافن الأسرة.

كما شهدت محافظة المنوفية أيضا مولد الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي، الذي ولد في 21 مارس 1890 – 11 نوفمبر 1962) أحد أبرز أعلام قراء القرآن المصريين، ولد في قرية شعشاع مركز أشمون، كان والده محفظاً للقرآن، فحفظ القرآن على يديه، ثم انتقل إلى مدينة طنطا ليأخذ علم القراءات على المتخصصين من أبناء هذا البلد معقل علم القراءات، وانتقل إلى القاهرة عام 1914، وسكن بحى الدرب الأحمر ، وبدأ صيته يذيع في القاهرة بين أساطين دولة التلاوة أمثال علي محمود ومحمد رفعت، وقرأ في مآتم سعد زغلول باشا، وعدلى يكن باشا، وثروت باشا، وكان ثاني قارئ يقرأ بالإذاعة المصرية بعد إفتتاحها عام 1934م، عين قارئاً لمسجد السيدة نفيسة، ثم مسجد السيدة زينب عام 1939، حج الشيخ الشعشاعى بيت الله الحرام سنة 1948، وقرأ القرآن فيه على مسامع عشرات الألاف من الحجاج، وسافر إلى العراق عام 1954، ثم سافر إليها أكثر من مرة بعد ذلك منها عام 1958م وعام 1961م، من أبنائه القارئ الشهير إبراهيم الشعشاعي الذي خلفه في مدرسته، توفي الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي في عام 1962 عن عمر يناهز الثانية والسبعين عاما قضاها في خدمة القرآن الكريم وكانت حياته حافلة بالعطاء وخلف ورائه تراثا قيما سيظل خالدا خلود القران.

وولد أيضا ولد الدكتور عبد الله محمود شحاته بقرية نادر التابعة لمركز الشهداء عام 1930م، أكمل دارسته في القاهرة حيث حاز علي ليسانس اللغة العربية وآدابها والدراسات الإسلامية من كلية دار العلوم جامعة القاهرة وعلي درجة الماجستير في التفسير من نفس الكلية العام 1960 م، والدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن عام 1968م، تفرغ عبد الله شحاتة في سنواته الأخيرة في تفسير القرآن، كما قدم برنامجين دينيين علي القناة الفضائية المصرية منذ أواخر التسعينيات وحتي وفاته، وعرف عنه أسلوبه الهادئ والبسيط في الحديث والبعيد عن التطرف والحدة، ومن أبرز مؤلفاته “الإمام محمد عبده ومنهجه في التفسير”، “الإعلام الديني والدعوة الإسلامية” وكتاب “تفسير القرآن” و”رؤية الدين الإسلامي في الحفاظ على البيئة” الذي صدر في 2001، كما قام شحاتة بتأليف عدة كتب منها تفسير الآيات الكونية، الإسلام والبيئة، علوم الدين الإسلامي، مع القرآن، كما عمل في عدة جامعات منها جامعة القاهرة وجامعات في عمان والسعودية والسودان، و توفى عبد الله شحاته في 9 ربيع ثاني 1423 هـ الموافق 20 يونيو عام 2002 ودفن في القاهرة.

وكان من أبرز شيوخ محافظة المنوفية، الشيخ محمود علي البنا قارئ القرآن وهو من أشهر قراء القرآن الكريم في العالم الإسلامي، ولد في قرية شبرا باص مركز شبين الكوم يوم 17 ديسمبر 1926، وحفظ القرآن الكريم في كتاب القرية على يد الشيخ موسى المنطاش، وأتم حفظه وهو في الحادية عشرة، ثم انتقل إلى مدينة طنطا لدراسة العلوم الشرعية بالجامع الأحمدى، وتلقى القراءات فيها على يد الإمام إبراهيم بن سلام المالكي، وحضر الشيخ البنا إلى القاهرة عام 1945، وبدأ صيته يذيع فيها، ودرس فيها علوم المقامات على يد الشيخ الحجة في ذلك المجال درويش الحريري، ثم اختير قارئاً لجمعية الشبان المسلمين عام 1947، وكان يفتتح كل الاحتفالات التي تقيمها الجمعية، وفي عام 1948م استمع إليه علي ماهر باشا، والأمير عبد الكريم الخطابي وعدد من كبار الأعيان الحاضرين في حفل الجمعية، وطلبوا منه الالتحاق بالإذاعة المصرية، فالتحق الشيخ البنا بالإذاعة المصرية عام 1948، وكانت أول قراءة له على الهواء في ديسمبر 1948 من سورة هود، وصار خلال سنوات قليلة أحد أشهر أعلام القراء في مصر، واختير قارئاً لمسجد عين الحياة في ختام الأربعينيات، ثم لمسجد الإمام الرفاعى في الخمسينيات، وانتقل للقراءة بالجامع الأحمدى في طنطا عام 1959. وظل به حتى عام 1980 حيث تولى القراءة بمسجد الإمام الحسين حتى وفاته، ترك للإذاعة ثروة هائلة من التسجيلات، إلى جانب المصحف المرتل الذي سجله عام 1967، والمصحف المجود في الإذاعة المصرية، والمصاحف المرتلة التي سجلها لإذاعات السعودية والإمارات، زار الشيخ البنا العديد من دول العالم، وقرأ القرآن في الحرمين الشريفين والحرم القدسي والمسجد الأموى ومعظم الدول العربية وزار العديد من دول أوروبا ومن ضمنها ألمانيا عام 1978، كان الشيخ البنا من المناضلين من أجل إنشاء نقابة القراء، واختير نائباً للنقيب عند إنشائها عام 1984، و بعد رحلة عطاء حافلة انتقل الشيخ محمود علي البنا إلى رحمة الله في 3 من ذي القعدة 1405 هـ /20 يوليو 1985م، ودفن في ضريحه الملحق بمسجده بقريته شبرا باص، وقد منح الرئيس المصري السابق اسمه وسام العلوم والفنون عام 1990.