التخطي إلى المحتوى

كتبت-نجلاء خالد

يعانى المجتمع المصرى دائما من المشكلات التى تواجهه فى التعامل مع المستشفيات الحكومية ، لتصبح ملاك الموت بالنسبة للكثير ، فالإهمال الجثيم وقلة الإمكانيات بالإضافة إلى انعدام ضمير الأطباء ، وحوادث اختطاف المواليد من داخل المستشفيات نتيجة انتشار عصابات الخطف ، أمام مسمع ومرأى المسؤلين ، الذين يتركون من يريد أن يسيطر على حياتنا ،حتي وصلت إلي نسيان دكتور ل “فوطة” داخل رحم مريضة قد قامت بولاد قيصرية ، فتحولت المستشفيات إلي مصائد للموت تحصد أرواح المرضي، ومن يفلت من الموت يصاب بعاهة مستديمة أو يدخل في غيبوبة تنتهي بالوفاة.

ومن بين هذا التنوع من حالات الإهمال، رصدت عدسة “ديوان المنوفية” منزل الطفلة “رودينا” ضحية عدم توافر أماكن بالمستشفيات والحاجة إلي دم لإعطائها إياه، إلي أن رحلت الطفلة عن العالم أجمع لتصعد روح هذا الملاك الطاهر إلي رب السموات لتستقر سعيدة بنعيم الجنة بعيدا عن الفساد الراسخ داخل هذا المجتمع.

“رودينا عمرو مصطفي السروي” طفلة لم يتجاوز عمرها العام ونصف،من قرية أبشيش بالباجور ، تعرضت لحادث سير يوم الأحد الموافق 17-7-2016 في تمام الساعة الخامسة عصرا، فقامت الأسرة بأخذها مسرعين إلي مستشفي الباجور العام لإنقاذها، وسط حالة نزيف حاد من الأنف والأذن، ولكن كانت المأساة انتهاء الصراع بوفاة الطفلة .

وكان لديوان المنوفية حوار مع أهل الضحية “رودينا ” وبدأ الحديث مع “عمرو مصطفي السروي” والد الطفلة، سائق علي إحدي السيارات، وقام بسرد مأساة بنته وقال

” بأن بعد أن تعرضت رودينا للحادث، ذهبت بها مسرعا لمستشفي الباجور العام، فقاموا بإدخالى إلي الإستقبال لمدة نصف ساعة دون كشف أو طبيب يلقي نظرة علي إبنتى التي بين الحياة والموت، حتي دخل أحد الأطباء وأخبرني أنها تحتاج إلي أشعة مقطعية ولكن “الجهاز عطلان”، ثم قام بالاتصال بالقصر العيني وأخبرهم أنه سيتم تحويل الطفلة إليهم، فأخذت طفلتي داخل عربة الإسعاف ذاهبين إلي القصر العيني، وفي منتصف الطريق قام سائق عربة الإسعاف بإجراء الإتصال مرة أخري لكي يجهزوا مكان للطفلة ولكن كانت الإجابة (متجيش عندنا مفيش مكان فاضي).

ثم أكمل “كريم ناجي صبيحة” خال الطفلة قائلا، بعد أن أخبرنا الإستقبال بعدم توافر أماكن داخل القصر العيني، قمنا بالذهاب لمستشفي الجامعة ليكون أيضا رد أحد العاملين “إنتوا إيه اللي جابكوا هنا معندناش مكان فاضي” فأثارت هذه الجملة غضبنا فقمنا بالصراخ، إلي أن صرح أحد الأطباء بدخول الطفلة وعمل أشعة مقطعية لها مقابل ٢٠٠ جنيه، علي الرغم من ذهاب الأسرة المفاجئ، قام أحد الجيران بدفع المبلغ، وبعد عمل الأشعة المقطعية أصبحنا نبحث عن دكتور ليري الأشعة ويخبرنا ما بها ولكن لا يوجد أحد يهتم، فأخبرت أحد الدكاترة بأن إبنة أختي تموت ليكون الرد (ماتموت)، حتي جاء دكتور عظام وقال أنها تعاني من كسر بالجمجمة ونزيف علي المخ، وأنه لا يوجد مكان بالمستشفي ومن الأفضل أن تذهب إلي مستشفي خاص.

وأضافت الحاجة “صبحية” جدة الطفلة،: “قمنا بالذهاب إلي مستشفي الأوروبي بشبين الكوم، واشترط الاستقبال علينا دفع مبلغ 3600 جنيه قبل دخول الطفلة، فقمت بخلع كل ما أرتدي من ذهب وإعطائهم إياه لكي يبيعوه ويسمحوا لنا بدخول الطفلة، ولكن رفضوا وطلبوا المبلغ أولا حتي جمع الجيران والأصدقاء والأقارب المبلغ من بعضهم البعض، ودخلت الطفلة العناية المركزة في تمام الساعة الثامنة مساءا، وأخبرونا أنه إذا تم إجراء عمليه ستكون التكلفة 63 ألف جنيه بالإضافة إلي إقرار بعد تحمل المستشفي مسئولية حدوث شئ للطفلة بعد العملية.

ومن جانبه استكملت حديثها قائلة أنه في تمام الواحدة صباحا، أخبرتنا المستشفي بأن الطفلة تحتاج إلي عبوتين دم، فذهبنا إلي كلا من مستشفي (الجامعة_القصر العيني_معهد الكبد_قويسنا_بركة السبع_بنها_منوف)، وكانت الإجابة واحدة “معندناش عبوات دم متوفرة”، إلي أن قمنا بإحضار عبوتين دم من إحدي مستشفيات القاهرة مقابل التبرع بأربع عبوات ودفع مبلغ 1200 جنيه، وذلك منذ الواحدة صباحا وحتي الثامنة صباحا، وأضافت قمت بالذهاب لأحد العاملين بالإستعلامات في تمام الساعة التاسعة والنصف أي بعد إحضار الدم بساعة ونصف، لأطمئن علي حالة الطفلة لتكون إجابته “إنتي هتاخديها خالص، بنتكوا ماتت”.

وبعد معاناة مع والدة الطفلة لإجراء الحديث معها لعدم قدرتها علي التحدث وسط حالة من الحزن والصدمة قالت “رباب ناجي صبيحة” (زينة البيت وفرحتنا راحت مننا، حسبي الله ونعم الوكيل في كل من كان السبب، وحق بنتي مش هيروح لو حتي هموت بعدها)، وأضاف والد الطفلة أنه بعد علمه بوفاة إبنته وقبل إخراجها من المستشفي، طلبوا دفع مبلغ 2700 جنيه للسماح بالخروج، واستمر والد الطفلة قائلا “أنا مش هسيب حق بنتي”.

لتكون هذه الكلمات هي نهاية الحديث مع الأسرة التي رحلت طفلتهم ضحية للإهمال، ودفن ضمير الذين يطلقون علي أنفسهم ملائكة الرحمة، فهل سيستمر فقدان الكبير والصغير داخل المستشفيات الحكومية؟؟ وهل الجاني الوحيد هو الذي تسبب في الحادث فقط أم كل من تكاسل عن إنقاذ هذه الطفلة البريئة؟؟ ليبقي السؤال الأخير “مين السبب في موت رودينا”.